فرائِضِ الغُسلِ :
المطلب الاول :
النيَّة، وهذا مَذهَبُ الجُمهورِ: المالكيَّة والشَّافعيَّة والحنابلة
الأدلَّة:
أولًا: مِن السُّنَّةِ
عن عُمر رَضِيَ اللهُ عنه قال: سمعتُ رسولَ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يقول: ((إنَّما الأعمالُ بالنِّيَّات، وإنَّما لكلِّ امرئٍ ما نوى... ))
وجه الدَّلالة:
أنَّ الحديثَ يدلُّ على أنَّ حُكمَ العَملِ لا يثبُتُ إلَّا بالنيَّة
ثانيًا: أنَّ الغُسلَ عبادةٌ مفروضةٌ، والمفروضات لا تُؤدَّى إلَّا بقَصدِ أدائها، ولا يُسمَّى الفاعِلُ على الحقيقةِ فاعلًا إلَّا بقَصدٍ منه إلى الفِعلِ، ومُحالٌ أن يتأدَّى عن المَرءِ ما لم يقصِدْ إلى أدائِه وينويه بفِعلِه
المطلب الثاني :
إيصالُ الماءِ إلى جميعِ البَدَنِ فرضٌ من فرائضِ الغُسل
الأدلَّة:
أوَّلًا: من الكتاب
1- قول الله تعالى: وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا [المائدة: 6]
2- قوله تعالى: وَلا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا [النساء: 43]
وجه الدَّلالة:
أنَّ عمومَ الأمرِ بالطَّهارةِ وبالغُسلِ ظاهرٌ في تعميمِ الماءِ جَميعَ البدَنِ
ثانيًا: مِن السُّنَّةِ
1- سُئل جابرٌ رَضِيَ اللهُ عنه: كيف الغُسلُ مِن الجَنابة؟ فقال: ((كان النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يأخُذ ثلاثةَ أكُفٍّ ويُفيضُها على رأسِه، ثم يُفيضُ على سائِرِ جَسَدِه ))
2- عن ميمونةَ رَضِيَ اللهُ عنها قالت: ((وضَع رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وَضوءًا لجنابةٍ، فأكفأَ بيمينِه على شِمالِه مرَّتين أو ثلاثًا، ثمَّ غسَلَ فرْجَه، ثمَّ ضرَب يَدَه بالأرضِ أو الحائِطِ مرَّتين- أو ثلاثًا- ثمَّ مضمَضَ واستنشَقَ، وغسَل وجهَه وذِراعيه، ثمَّ أفاض على رأسِه الماءَ، ثمَّ غسَل جَسَده، ثم تنحَّى فغَسَل رِجلَيه. قالت: فأتيتُه بخِرقةٍ، فلم يُرِدْها، فجعل ينفُضُ بِيَدِه ))
3- عن عائشةَ رَضِيَ اللهُ عنها قالت: ((كان رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إذا اغتسَلَ مِن الجنابة غَسَلَ يدَيه، وتوضَّأ وُضوءَه للصَّلاةِ، ثمَّ اغتسَلَ، ثمَّ يُخلِّلُ بيَدِه شَعْرَه، حتَّى إذا ظنَّ أنْ قد أَروى بَشَرتَه، أفاض عليه الماءَ ثلاثَ مرَّاتٍ، ثمَّ غسَل سائِرَ جَسَدِه ))
ثالثًا: من الإجماع
نقَل الإجماعَ على ذلك: ابن جُزَيٍّ، والعينيُّ، والصنعاني
المطلب الثالث :
من فرائِضِ الغُسلِ: المضمضةُ والاستنشاقُ، وهذا مَذهَبُ الحنفيَّة، والحنابلة، واختاره ابنُ تيميَّة، وابنُ باز، وابنُ عثيمين
الأدلَّة:
أوَّلًا: من الكتاب
عُمومُ قَولِ الله تعالى: وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا [المائدة: 6]
وجه الدَّلالة:
أنَّ المعنى طهِّروا أبدانَكم؛ واسمُ البَدَنِ يقَعُ على الظَّاهِرِ والباطِنِ، فيجبُ تطهيرُ ما يمكِنُ تطهيرُه منه بلا حرجٍ، وإيصالُ الماءِ إلى داخِلِ الفَمِ والأنفِ مُمكِنٌ بلا حرَج
ثانيًا: مِن السُّنَّةِ
عن ميمونةَ رَضِيَ اللهُ عنها: ((وَضعتُ للنبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ماءً للغُسل، فغسل يديه مرَّتين- أو ثلاثًا- ثمَّ أفرَغَ على شِمالِه فغَسَل مذاكيرَه، ثم مسحَ يدَه بالأرض، ثم مضمَضَ واستنشَقَ، وغسَل وجهَه ويدَيه، ثمَّ أفاض على جسَدِه، ثمَّ تحوَّلَ مِن مكانِه، فغسَلَ قَدَميه ))
وجه الدَّلالة:
أنَّ غُسلَ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وقَع بيانًا لمُجَمل الكتاب، وقد تمضمَضَ فيه واستنشَقَ، فدلَّ على لُزومِه
ثالثًا: أنَّ المضمضةَ والاستنشاقَ داخلانِ في غَسلِ الوَجهِ، والوجهُ ممَّا يجِبُ غَسله في الطَّهارةِ الكبرى؛ ولذا وجبَ على مَن اغتسل الغُسلَ الواجبَ أن يتمضمَضَ ويستنشِقَ
المطلب الرابع :
يجبُ سَتْرُ العورةِ عن أعيُنِ النَّاس، لا سيَّما عند الاغتسالِ؛ لأنَّه مظِنَّة كَشْفِها.
الأدلَّة:
أولًا: مِن السُّنَّةِ
1- عن معاويةَ بن أبي حَيدةَ رَضِيَ اللهُ عنه قال: قلتُ: يا رسولَ الله، عوراتُنا ما نأتي منها وما نذَر؟ قال: ((احفَظْ عورتَك إلَّا عن زوجَتِك أو ما ملَكت يمينُك ))
2- عن أبي سعيدٍ الخُدريِّ رَضِيَ اللهُ عنه: أنَّ رسولَ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((لا ينظُرُ الرَّجُلُ إلى عورة الرَّجُل، ولا المرأةُ إلى عورة المرأةِ، ولا يُفضي الرَّجلُ إلى الرَّجلِ في ثوبٍ واحدٍ، ولا تُفضي المرأةُ إلى المرأةِ في الثَّوبِ الواحِدِ ))
3- عن أمِّ هانئ بنت أبي طالب رَضِيَ اللهُ عنها قالت: ((ذهبتُ إلى رسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عامَ الفَتحِ، فوجدتُه يغتَسِلُ وفاطمةُ تستُرُه، فقال: مَن هذه؟ فقلت: أنا أمُّ هانئٍ ))
4- عن ميمونةَ رَضِيَ اللهُ عنها قالت: ((سَتَرتُ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وهو يغتسِلُ مِن الجَنابة، فغَسل يديه، ثمَّ صبَّ بيمينِه على شِمالِه، فغسَلَ فرْجَه وما أصابَه، ثمَّ مسَح بيَدِه على الحائِطِ- أو الأرض- ثم توضَّأ وضوءَه للصَّلاةِ غَيرِ رِجليه، ثمَّ أفاض على جَسَده الماءَ، ثمَّ تنحَّى فغسَلَ قَدَميه ))
ثانيًا: من الإجماع
نقَل الإجماعَ على وجوبِ الاستتارِ عن أعينِ النَّاسِ في الجملة: الجصَّاصُ، وابنُ عبدِ البَرِّ، وابن رشد الحفيد، والنوويُّ، وابن رجب
المصدر: الموسوعة الفقهية