من أجمل مُتَع الحياة مجالسة الأحبة، ومحادثة إخوة الصدق والإيمان؛ فهي بحق مجالس أُنس، ومواطن راحة، وروح وريحان.
وفي الحديث القدسي، يقول الله تعالى: ((وجبت محبَّتي للمتحابِّين فيَّ، والمتجالسين فيَّ، والمتزاورين فيَّ، والمتباذلين فيَّ)).
وهي مجالس صفاء، مهما طالت فهي قصيرة، ومهما تشعَّب الحديث فيها فهو ذو شجون!
وأذكر أني كنت في مقتَبل العمر أحضر مع والدي رحمه الله بعضَ هذه المجالس في ليالي الشهباء، فما نشعرُ إلا ونسمات السَّحر العليلة تهبُّ فتحرك أغصان الشجر.
وما نحس إلا وأصوات المؤذِّنين العذبة تصدحُ في جو السماء، تُنبِّه النائمين، وتُذكِّر القائمين.
سقيًا لتلك الليالي ما أجملها! وتلك المجالس ما أبهاها!
صلَّيت فريضة الظهر في بيت من بيوت الله تعالى، وجلستُ بعد السلام أذكر الله تعالى وأدعوه بما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر ربه ويدعوه، ويسبحه ويحمده ويكبره، فقلتُ في نفسي: ما أجمل هذا الجلوس بعد مناجاة الله في الصلاة!
فإذا كانت مجالسة الأحبة ومحادثة الإخوة من متع الحياة، فإن مجالسة الحق تعالى من أجمل لحظات العمر، وهي حياة للقلوب الميتة، وراحة للنفوس التائهة.
فما أكرمك على ربك أيها الإنسان حين أذِن لك أن تحطَّ رَحْلك بين يدَيْه!
وهو الكريم الذي ملأ أقطارَ السموات والأرض عطاؤه، وعمَّ الكونَ جودُه، وشمل الجماد والحيوان والإنسان إحسانُه!