سئل فضيلة الشيخ ابن عثيمين _رحمه الله_ : عن الأماكن التي لا تصح فيها الصلاة؟
فأجاب: الأصل جواز الصلاة في جميع الأماكن لقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((جعلت لي الأرض مسجداً)) ويستثنى من ذلك ما يلي:
أولاً: المقبرة: لقول النبي فيما رواه الترمذي: ((الأرض كلها مسجد إلا المقبرة والحمام)) . ولقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد)) . ولآن الصرة في المقبرة فد تتخذ ذريعة إلى عبادة القبور، أو إلى التشبه بمن يعبد القبور، ويستثنى من ذلك الصلاة على الجنازة، فقد ثبت عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في حديث المرأة التي كانت تقم المسجد أنها ماتت بليل فكرهوا أن يخبروا النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وفي الصباح سأل عنها فقاوا: إنها ماتت فقال: ((دلوني على قبرها)) فخرج الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى البقيع ودلوه على قبرها فصلى عليها.
ثانياً: الحمام: ودليله قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((الأرض كلها مسجد إلا المقبرة والحمام)) . والحمام مكان المغتسل، والعلة في ذلك أن الحمام تكشف فيه العورات ولا يخلو من بعض النجاسة.
ثالثاً: الحش: وهو مكان فضاء الحاجة لأنه أولى من الحمام، ولا يخلو من النجاسة، ولأنه نجس خبيث، ولأنه مأوى الشياطين والشياطين خبيثة، فلا ينبغي أن يكون هذا المكان الخبيث الذي هو مأوى الخبائث مكاناً لعبادة الله عز وجل.
رابعاً: أعطان الإبل: وهو عبارة عن المكان الذي تبيت فيه الإبل وتأوي إليه، والمكان الذي تبرك فيه عند صدورها من الماء، أن انتظار الماء وذلك لأن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نهى عن الصلاة فيه فقال: ((لا تصلوا في أعطان الإبل)) والأصل في النهي التحريم، مع العلم أن أبوال الإبل وروثها طاهر.
والعلة في التحريم أن السنة وردت به، والواجب في النصوص الشرعية التسليم، قال تعالى: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ) .
وقال بعض العلماء: لأن أرواثها وأبوالها نجسة، وهذا مبنى على أن الأبوال والأرواث نجسة ولو من الحيوان الطاهر، والصحيح خلافه، ولكن هذه العلة باطلة، إذ لو كانت هذه هي العلة ما جازت الصلاة في مرابض الغنم، لأن القائلين بنجاسة أبوال الإبل وأرواثها يقولون بنجاسة أرواث الغنم وأبوالها.
وقيل: لأن الإبل شديدة النفورة وريما تنفر وهو يصلي فإذا نفرت ربما تصيبه بأذى، حتى وإن لم تصبه فإنه ينشغل قلبه إذا كانت هذه الإبل تهيج، ليكون النهي عنها لئلا ينشغل قلبه، لكن هذه العلة أيضاً فيها نظر، لأن مقتضاها ألا يكون النهي إلا والإبل موجودة، ثم قد تنتقض بمرابض الغنم، فالغنم تهيج وتشغل، فهل نقول إنها مثلها؟ لا.
وقال بعض أهل العلم: إنما نهى عن الصلاة في مبارك الإبل أو أعطانها لأنها خلقت من الشياطين، كما جاء ذلك في الحديث الذي رواه الإمام أحمد بإسناد صحيح ، فإذا كانت مخلوقة من الشياطين فلا يبعد أن تصحبها الشياطين، وتكون هذه الأماكن مأوى للإبل ومعها الشياطين، وتكون الحكمة في النهي عن الصلاة في الحش، وهذا الذي اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، وهو أقرب ما يقال في الحكمة ومع ذلك فالحكمة هي التعبد لله بذلك.
خامساً المغصوب: وهو الذي أخذ من صاحبه قهراً بغير حق وقد اختلقف العلماء فيه:
فذهب بعض العلماء إلى أن الصلاة غير صحيحة، وأن الإنسان منهي عن المقام في هذا المكان، لأنه ملك غيره، فإذا صلى فصلاته منهي عنها، والصلاة المنهي عنها لا تصح، لأنها مضادة للتعبد، فكيف تتعبد لله بمعصيته؟ وذهب بعضهم إلى أن الصلاة في المكان المغصوب صحيحة مع الإثم واستدلوا بقول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((جعلت لي الأرض مسجداً)) . فلا يوجد دليل على إخراج المغصوب من عموم هذا الحديث، وإنما مأمور بهذا وهذا هو الأرجح، ولأن الصلاة لم ينه عنها في المكان المغصوب بل نهي عن الغصب، والغصب أمر خارج.