الحمد لله رب العالمين، أكمل لنا الدين وأتم علينا النعمة، وما جعل علينا في الدين من حرج، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً.
أما بعد:
أيها الناس: اتقوا الله تعالى وتعلموا من أحكام دينكم ما تستقيم به عبادتكم وتزكوا به أعمالكم، فإن الجهل داء قاتل وشفاؤه بالتعلم و السؤال. يقول الله تعالى: (فَاسْأَلوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ).
ومن الناس من يعبد الله على جهل ويمنعه الحياء أو الكبر من السؤال، وقد قال بعض السلف: إن هذا العلم لا يناله مستح ولا مستكبر، ولما قيل لابن عباس رضي الله عنهما: بم نلت هذا العلم؟ قال: بلسان سؤول وقلب عقول.
هذا وإنني سأعرض مسألة يحتاج كل منكم لمعرفتها، ألا وهي المسح على الخفين وما حكمهما، لأنكم تعلمون أن الطهارة شرط من شروط صحة الصلاة. قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ)، فأمر تعالى بغسل الوجه واليدين والمسح على الرأس وغسل الرجلين، عندما يريد المسلم أن يصلي، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ" متفق عليه.
ومن الوضوء غسل الرجلين إلى الكعبين لقوله تعالى: (وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ) وهذا إذا لم يلبس عليهما حائلاً من خفاف أو جوارب، فإن كان عليهما حائل فإنه يكفي عن غسلهما مسح ظاهر ذلك الحائل من خف أو جوارب، كما ثبت ذلك بالسنة الثابتة عند النبي صلى الله عليه وسلم قولاً وفعلاً.
قال الإمام ابن القيم رحمه الله: صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه مسح في الحضر والسفر لم ينسخ ذلك حتى توفي، ووقت للمقيم يوماً وليلة، وللمسافر ثلاثة أيام ولياليهن في عدة أحاديث حسان وصحاح، وكان يمسح ظاهر الخفين، ولم يصح عنه مسح أسفلهما. ومسح على الجوربين والنعلين في الخف مسح عليهما ولم ينزعهما، وإن كانتا مكشوفتين غسل القدمين، ولم يلبس الخف ليمسح عليه.
أيها المسلمون: يشترط لصحة المسح على الخفين أو الجواب أن يكونا ساترين للرجلين من الكعب فأسفل، فإن كان نازلاً عن الكعب أو كان شفافاً أو مخرقاً يرى من ورائه الجلد لم يجز المسح عليه، ويشترط أن يلبسهما على طهارة، ويشترط أن لا يخلع ما ابتدأ المسح عليه. فلو ابتدأ المسح على الخف ثم خلعه بطل وضوؤه ولو كان تحته جورب لأنه لم يبتدئ المسح على الجورب، وهذه مسألة مهمة فإن الكثير من الناس في هذا الزمن يلبسون خفافاً تحت الكعبين وتحتهما جوارب، ثم يخلعون الخفاف عند دخولهم المنازل على الجوارب لأنها هي الثابتة بشرط أن تكون سميكة خالية من الخروق والشقوق ضافية على الرجل بحيث تكون مغطية للكعبين وما تحتهما.
من شروط صحة المسح على الخفين: أن يقع المسح في المدة المحددة، وهي يوم وليلة للمقيم وثلاثة أيام بلياليها للمسافر، لقوله صلى الله عليه وسلم: "للمسافر ثلاثة ولياليهن، وللمقيم يوم وليلة" رواه أحمد ومسلم. وابتداء المدة من الحدث بعد اللبس، فإذا توضأ ثم لبس الخفين فإن مدة المسح عليها تبدأ من انتقاض ذلك الوضوء، ولو تأخر.
وصفة المسح على الخفين أو الجوربين: أن يبل أصابع يديده بالماء ويضعهما مفرجة على أصابع رجليه، ثم يمرّها إلى ساقيه، اليمنى على اليمنى واليسرى على اليسرى.
أيها المسلمون: وإذا وضع الإنسان ضماداً على جرح أو كسر في احد أعضاء الوضوء واحتاج إلى بقاء ذلك الضماد على الجرح أو موضع الألم فإنه يكفي عن غسل ما تحته أن يمسح عليه في الوضوء والغسل ويبقى إلى أن يستغني عنه ثم ينزعه، وهذا من لطف الله وتيسيره على هذه الأمة، حيث لم يكلفها حرجاً، ومن ذلك أنه شرع المسح على الخفين وعلى ما يشد على الجرح أو موضع الألم فإنه يكفي عن غسل ما تحته أن يمسح عليه في الوضوء والغسل ويبقى إلى أن يستغني عنه ثم ينزعه، وهذا من لطف الله وتيسيره على هذه الأمة، حيث لم يكلفها حرجاً، ومن ذلك أنه شرع المسح على الخفين وعلى ما يشد على الجرح وموضع الألم من الضمادات الضرورية لأن نزعها وغسل ما تحتها يشق أو يؤلم، لكن لا بد للمسلم من معرفة ضوابط ذلك وشروطه حتى يفعله على الوجه المشروع.
فاتقوا الله -عباد الله- وتعلموا من أحكام دينكم ما تتمكنون به من أداء ما أوجب الله عليكم، خصوصاً أحكام الطهارة التي هي شرط من شروط الصلاة، وهي تتكرر عليكم في اليوم والليلة خمس مرات، فإن الطهور شطر الإيمان، والله تعالى: (يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ) [البقرة: من الآية222] (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) [المائدة:6].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم…
الشيخ د. : صالح بن فوزان الفوزان