الخطبة الأولى:
الحمد لله الملك الديان، الرحيم الرحمن، الحمد لله عدد ما خلق وملء ما خلق، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له أكرمنا ببعثة سيد المرسلين، وجعلنا من خير أمة أخرجت للعالمين وأشهد أن محمدًا عبدُ الله ورسوله بيَّن لأمته طرق الخيرات وحذَّر من أبواب الآثام والسيئات صلى الله وبارك عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فأوصيكم ونفسي بتقوى الله؛ فإنها خير زاد يؤنس في المقابر، وأفضل ما يُدَّخَر لليوم الآخر، فاللهم اغفر لنا واهدنا وأبعد عنّا الغفلة والإعراض، وامنن علينا بالتذكرة والإقبال عليك، (اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مَّعْرِضُونَ) [الأنبياء: 1].
ولقد أخبرنا نبينا -عليه الصلاة والسلام- أن "أول ما يُحاسَب عليه العبدُ يوم القيمة صلاته؛ فإن قُبلت قُبل سائر عمله، وإن رُدت خاب وخسر"، وغير خافٍ عظيم منزلة الصلاة وأنها عمود الإسلام، وفيها النصوص القرآنية والنبوية الكثيرة.
عباد الله: إن من تعظيم الله وإجلاله الاهتمام بسائر أوامره وبالذات ما عظّمه وكرر أمره!
ولقد كان اهتمام نبينا -عليه الصلاة والسلام- بالصلاة كبيرًا، وانتقل هذا الاهتمام إلى أصحابه -رضوان الله عليهم-، حتى رووا أدق التفاصيل في صفة صلاة النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ حتى بيّنوا حركات جسمه وأصابعه واضطراب لحيته عند قراءته في الصلوات السرية، كيف وقد قال: "وصلوا كما رأيتموني أصلي" كما عند البخاري.
وليست العبرة بأداء الصلاة فقط؛ بل بإقامتها وذلك بالإتيان بشروطها وأركانها وواجباتها وسننها، والجدير بالمسلم أن يتزود من فقه الصلاة وحفظ أذكارها المتنوعة؛ عسى أن يوفَّق لإقامتها، وينال بذلك عظيم أجرها وفضلها، وقد تيسرت -ولله الحمد- وسائل تحصيل العلم المقروءة والمرئية والمسموعة، المختصرة والمطولة.
إخوة الإيمان: وإليكم جملة من الأخطاء المحرمة التي تكرر أكثر من غيرها، مما يُنقص بذلك ثواب الصلاة أو ربما يبطله، فأجور المصلين متفاوتة؛ وذلك حسب متابعة المصلي لصلاة النبي -عليه الصلاة والسلام- وحضور قلبه وخشوعه؛ ففي حديث عمار بن ياسر: "إنَّ العبدَ لَيصلِّي الصَّلاةَ ما يُكتُبُ لَهُ منْها إلَّا عُشرُها، تُسعُها، ثمنُها، سُبعُها، سُدسُها، خمسُها، ربعُها، ثلثُها نصفُها" (صححه الألباني).
فمن الأخطاء معشر الكرام: مسابقة الإمام، وعند البخاري مرفوعًا "أمَا يخشَى أحدُكُم، أو ألا يخشَى أحَدُكُم، إذا رفعَ رأسَهُ قبلَ الإمامِ، أنْ يجعَلَ اللهُ رأسَهُ رأسَ حمَارٍ، أو يجعَلَ صورتَهُ صورَةَ حمَارٍ".
وفي هذا تنفير شديد من مسابقة الإمام، وبعض المصلين إذا سلم الإمام التسليمة الأولى قام ليأتي بما فاته وهذا منهي عنه، عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: " صلى بنا رسولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- ذات يومٍ فلما قضى الصلاةَ أقبلَ علينا بوجهِه، فقال: "أيها الناسُ إني إمامُكم فلا تسبقوني بالركوعِ ولا بالسجودِ ولا بالقيامِ ولا بالانصرافِ" (أخرجه مسلم).
من الأخطاء: قول بعض المصلين " الله وكبر "، بل إن الفقهاء اختلفوا هل تنعقد الصلاة أم أنها لا تنعقد فعلى المسلم الحرص والاحتياط لصلاته.
من الأخطاء: السجود على الجبهة دون الأنف، وكذلك اختلف العلماء في صحة صلاته وبعض الناس ربما رفع رجله وهو ساجد ليحك ساقه، فتنتهي السجدة ويرفع ولم تتم أعضاء السجود السبعة!
من الأخطاء: الجهر بتكبيرات الانتقال بين الأركان مما يشوِّش على الآخرين، وكذا الجهر بالقراءة والأذكار في الصلاة، وهذا يشوش ويزعج والأذى محرم كما هو معلوم، وهذا ينطبق أيضًا على الجهر بالقرآن في المسجد، فبعض المصلين يذهب إلى طرف الصف فرارًا ممن يشوش عليه بسبب رفع صوته.
وقد سُئل الشيخ ابن باز السؤال التالي: هل تجوز قراءة القرآن في الجمعة بصوت مرتفع في المسجد؟ فأجاب: "لا يجوز للمسلم أن يرفع صوته بالقراءة في المسجد أو غيره إذا كان يشوش على من حوله من المصلين أو القراء، بل السنة أن يقرأ قراءة لا يؤذي بها غيره؛ لما ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه خرج على الناس ذات يوم في المسجد وهم يرفع بعضهم الصوت على بعض بالقراءة فقال: "أيها الناس كلكم يناجي الله فلا يرفع بعضكم صوته على بعض أو قال: فلا يجهر بعضكم على بعض". اهـ كلامه رحمه الله.
وأما الجهر بالذكر بعد الصلاة المفروضة فهو من السنة.
اللهم فقهنا في الدين وعلمنا التأويل، واغفر لنا ولوالدينا وللمسلمين الأحياء منهم والميتين يا غفور يا رحيم..
الخطبة الثانية:
الحمد لله…
أما بعد: عبد الله:
عَلَى الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ حَافِظْ فَإِنَّهَا *** لآكَدُ مَفْرُوضٍ عَلَى كُـلِّ مُهْتَـدِ
فَلا رُخْصَةً فِي تَرْكِهَـا لِمُكَلَّـفٍ *** وَأَوَّلُ مَا عَنْـهُ يُحَاسَبُ فِـي غَدِ
وَمَا زَالَ يُوصِـي بِالصَّـلاةِ نَبِيُّنَـا *** لَدَى الْمَوْتِ حَتَّى كَلَّ عَنْ نُطْقِ مِذْوَدِ
إخوة الإسلام: وعودًا على ذكر بعض أخطاء المصلين المحرمة: من أخطر الأخطاء الاستعجال في الصلاة وعدم الطمأنينة، في الركوع والرفع منه وفي السجود والاعتدال منه وفي حديث المسيء صلاته " ارجِع فَصَلِّ فإنَّك لَم تُصَلِّ " كما في الصحيحين.
ومن الأخطاء التي رجح بعض العلماء أنها تبطل الصلاة الانحناء لحد الركوع حال القيام في الصلاة فلو سقط منك منديل حال القيام فإن احتجت تناوله برجلك، أو اصبر لحين ركوعك أو جلوسك.
أيها المصلون: القيام في صلاة الفريضة ركن، ومن عجز عنه لمرضٍ أو كبر سنٍّ فله أن يجلس على الأرض أو على كرسي أما القادر الذي لا يتضرر بقيامه فلا يجوز له الجلوس في الصلاة المفروضة.
ومما ينبغي التنبه له: أنه إذا كان معذوراً في ترك القيام فلا يبيح له عذره هذا الجلوس على الكرسي لركوعه وسجوده، وإذا كان معذوراً في ترك الركوع والسجود على هيئتهما فلا يبيح له عذره هذا عدم القيام والجلوس على الكرسي. فالقاعدة في واجبات الصلاة: أن ما استطاع المصلي فعله، وجب عليه فعله، وما عجز عن فعله سقط عنه.
ومن أخطاء المصلين: كثرة الحركة في الصلاة، والفقهاء يقولون أن الحركة المتوالية الكثيرة بلا حاجة تبطل الصلاة.
أيه الأحبة: أختم بتنبيه حول تكبيرات الانتقال بين الأركان، المشروع أن تكون التكبيرة بين الركنين فمثلاً إذا أراد الركوع أو السجود يبدأ تكبيرته من حين الانحناء، ومن الخطأ أن تكون التكبيرة بعد الوصول إلى الركن الآخر، فهي تكبيرة انتقال بين الركنين.
ونسأل الله أن يمنّ علينا بإقامة الصلاة، اللهم انفعنا بما علمتنا..
الشيخ : حسام بن عبد العزيز الجبرين