الخطبة الأولى:
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا…
أما بعد:
فاتقوا الله -عباد الله-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ)[آل عمران: 102].
أيها الإخوة في الله: صحّ عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أنه قال: "بُني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وحج البيت، وصوم رمضان".
عباد الله: في هذا الحديث بيان من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لأركان الإسلام العظام، التي لا يتم إسلام عبد إلا بها، وأولها وأهمها: توحيد الله وعبادته، وثانيها: إقام الصلاة، ثم إيتاء الزكاة، ثم الحج، فالصوم.
فأعظم ركن بعد توحيد الله والإيمان برسالة محمد -صلى الله عليه وسلم- الصلاة، تلكم الفريضة المهملة من كثير من المسلمين.
الصلاة التي تركها إما عمدًا أو تهاونًا وكسلاً كثيرًا من شباب المسلمين.
الصلاة التي فرط في أدائها في أوقاتها من وهبهم الله القدرة والعافية.
الصلاة التي أخبر النبي الكريم -صلى الله عليه وسلم- أنها آخر ما يُفقد من الدين، فإن فقدت فقد الدين كله، فقال: "أول ما تفقدون من دينكم الأمانة، وآخر ما تفقدون منه الصلاة، وليصلينّ أقوام لا خلاق لهم".
الصلاة وما أدراكم ما الصلاة، أول ما يُسأل عنه العبد يوم القيامة، فإن صلحت صلح سائر عمله، وإن فسدت فسد سائر عمله.
إن تقبلت تقبل منه سائر عمله، وإن رُدّت رُدَّ عليه سائر عمله.
قال الإمام أحمد: "فصلاتنا آخر ديننا، وهي أول ما نُسأل عنه غدًا من أعمالنا يوم القيامة، فليس بعد ذهاب الصلاة إسلام ولا دين".
أيها الإخوة في الله: نتذاكر الصلاة وأهميتها وعظيم قدرها في شهر الصيام المبارك.
لما نراه –وللأسف- من اهتمام كثير من الناس بالصيام وحرصهم عليه وعدم تفريطهم فيه، أو إفطار يوم من رمضان، أو الإخلال بمواعيد الإمساك والإفطار، إلى غيرها من أحكام الصيام مع إخلالهم وتقصيرهم الكبير، فيما هو أعظم، وأهمّ ألا وهو الصلاة، بل هناك من لم يؤثر فيهم.
فقد وُجد أُناسٌ يصومون من دون صلاة، أو يصلونها في غير وقتها، وينامون عنها، وعجيب أمر هؤلاء عظّموا قدر الصيام على قدر الصلاة، فخسروا بتركهم الصلاة صيامهم، ولم ولن يقبل منهم صومهم، بل هو مردود عليهم غير مقبول، ولا يؤجرون عليه، ولا نفع لهم عليه يوم القيامة.
عباد الله: يا أهل الصلاة والصيام: وإننا بمقارنة سريعة بين الصلاة والصيام لتبين لنا عظم قدر الصلاة على الصيام مع أهميتهما جميعًا.
فالصلاة فرضت قبل الصيام، فرضت في مكة، أما الصيام ففرض في السنة الثانية من الهجرة، وفرض الصيام شهرًا واحدًا في السنة بخلاف الصلاة، ففرضت خمسين صلاة في اليوم الواحد، ثم خففت إلى خمس صلوات في اليوم.
وفرض الصيام على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بواسطة جبريل عن طريق الوحي بخلاف الصلاة التي استدعي لها النبي -صلى الله عليه وسلم- وأسري به من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، ثم عُرج به إلى السماء لتفرض عليه الصلاة في السماء، من ربّ العزة والجلال مباشرة دون واسطة.
وإن نظرنا إلى من يجب عليه الصيام ومن تجب عليه الصلاة أدركنا أيضًا أهمية الصلاة، وتعظيم قدرها على الصيام.
فالصوم واجب على كل مسلم بالغ عاقل صحيح مقيم، أما الصلاة فتجب قبل البلوغ: "مروا أبناءكم بالصلاة لسبع، واضربوهم عليها، وهم أبناء عشر".
ولا يشترط لها الصحة والإقامة، بل هي واجبة حتى على المريض والمسافر بخلاف الصوم.
فإن كان المريض يُعذر بترك الصوم فإنه لا يُعذر في ترك الصلاة، بل يجب عليه أداؤها قاعدًا، فإن لم يستطع فعلى جنب، وإن لم يستطع فيوحي إيماءً، ولا يترك الصلاة أبدًا، ولو لم يستطع الطهارة صلى على حاله ولا يترك الصلاة.
أما الصوم فالمريض يعذر بتركه: (وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ)[البقرة: 185].
بل قد يتوجب على المريض الفطر، وترك الصيام إذا كان الصيام يضر به.
وإن كان المسافر يترك الصيام؛ لأنه أرفق به، فالمسافر لا يحق له ولا يجوز له ترك الصلاة، بل هي واجبة عليه لا تنفك عنه، وكذا المجاهد في سبيل الله يترك الصيام؛ لأنه أقوى له أما الصلاة فإنه لا يتركها أبدًا، وإن اشتدّ به الخوف، فقد فرض الله صلاة الخوف للمجاهدين ولم يعذرهم في تركها أو تأخيرها، ومن ثم قضاءها دلالة على أهميتها.
وكذا الصغير الذي لم يبلغ الحُلُم يؤمر بالصيام استحبابًا وتعويدًا، بخلاف الصلاة فإنها تجب عليه من قبل البلوغ، ويعاقب على تركها.
ولو تأملنا حكم الله وحكم رسوله -صلى الله عليه وسلم- في تارك الصيام، وتارك الصلاة لرأينا اختلافًا.
فتارك الصيام لا يكفر على الصحيح من أقوال أهل العلم إلا إذا تركه جاحدًا لوجوبه وفرضيته، فإنه حينئذٍ يكفر، أما إن تركه تهاونًا وكسلاً مع الإقرار بفرضيته، فهو على خطر عظيم، ويُعد فاسقًا من الفساق.
وتارك الصلاة إما جحودًا وإنكارًا أو تهاونًا وكسلاً، فإنه كافر بالله مرتد عن دينه، حلال الدم والمال يستتاب فإن تاب وصلى وإلا قتل مرتدًا.
قال الله -تعالى-: (فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ)[التوبة : 11].
وقال صلى الله عليه وسلم: "العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر".
وقال: "بين الرجل وبين الشرك ترك الصلاة".
ولم يكن صحابة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يعدّون شيئًا من الأعمال تركه كفر غير الصلاة.
ولهذا تارك الصلاة لا يقبل منه الصيام؛ لأنه كافر مرتد خارج عن دينه، بخلاف المتهاون في الصيام فلا يُحكم بعدم قبول صلاته.
وقد قال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-: "لا حظ في الإسلام لمن ترك الصلاة".
ومما يزيد من خطورة أمر الصلاة أن من ترك فرضًا واحدًا متعمدًا حتى يخرج وقته فإنه يكفر -نسأل الله السلامة والعافية-؛ كما أفتى بذلك سماحة الشيخ ابن باز -رحمه الله- فرضٌ واحد يتكره متعمدًا، فكيف بمن يمكث الأيام لا يصلي؟! كيف عمن لا يعرف الصلاة إلا في مثل هذا اليوم يوم الجمعة؟! كيف عمن لا يعرف الصلاة إلا في شهر رمضان؟!
قال تعالى: (فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا)[مريم: 59].
وغي هو وادٍ في جهنم خبيثٍ طعمه، بعيدٍ قعره.
عن بريدة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من ترك صلاة العصر، فقد حبط عمله" [رواه البخاري].
هكذا: "فقد حبط عمله" فماذا يرجوا بعد أن أحبط الله عمله؟!
أيها الإخوة في الله: هذه مقارنة مجملة بين الصلاة والصيام يتبين منها لكل مسلم عظم قدر الصلاة، وإننا لو نظرنا في فضائل الصلاة لوجدناها فضائل عظيمة؛ فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان؛ مكفّرات لما بينهن إذا اجتنبت الكبائر" [مسلم].
وعنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: " أرأيتم لو أن نهرًا بباب أحدكم يغتسل فيه كل يوم خمسًا، هل يبقى من درنه شيء؟ قالوا: لا يبقى من درنه شيء، قال: فذلك مثل الصلوات الخمس يمحو الله بهن الخطايا " [متفق عليه].
وعن عبادة بن الصامت قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "خمس صلوات افترضهن الله -تعالى-، من أحسن وضوءهن، وصلاّهن لوقتهن، وأتم ركوعهن وخشوعهن كان له على الله عهد أن يغفر له، ومن لم يفعل فليس له على الله عهد إن شاء غفر له وإن شاء عذبه " [رواه أحمد وأبو داود ومالك والنسائي، وهو صحيح].
وعن أبي ذر أن النبي -صلى الله عليه وسلم- خرج زمن الشتاء، والورق يتهافت، فأخذ بغصنين من شجرة، قال: فجعل ذلك الورق يتهافت، قال: فقال: "يا أبا ذر" قلت: لبيك يا رسول الله، قال: "إن العبد المسلم ليصلي الصلاة يريد بها وجه الله، فتهافت عنه ذنوبه كما تهافتُ هذا الورق عن هذه الشجرة" [رواه أحمد وهو صحيح].
والأحاديث في فضل الصلاة كثيرة جدًّا.
والصوم فرض عظيم وكبير، يباعد الله به وجه العبد عن نار جهنم.
أيها الصائمون: إننا وإن نفرح في هذا الشهر المبارك شهر الصيام والقرآن برؤية إخوان لنا في الله، نراهم وقد طال العهد بينهم وبين بيوت الله؛ نراهم في كل المساجد هذه الأيام من رواد بيوت الله -عز وجل- من أهل الصلاة، فندعو لهم بالهداية والرشاد، ونسأله لهم الثبات والاستقامة، نفرح فرحًا شديدًا، ونحمد الله أن عرفوا أن الصلاة عمود دينهم، وأساس صلاح أعمالهم وقبولها، وأن صيامهم لا يقبل عند الله، وهم تاركون للصلاة مفرطون فيها مضيعون لأوقاتها، فنقول لهم: يرعاكم الله، إن رب رمضان ورب الشهور واحد، وإن الذي فرض عليكم الصوم هو الذي فرض عليكم الصلاة، وليست الصلاة بأهم من الصيام.
فحافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وقوموا لله قانتين، صلوا الصلاة واركعوا مع الراكعين، الله الله في الصلاة فهي الصلة بينكم وبين ربكم، حافظوا عليها وأدّوها جماعة في بيوت الله حيث يُنادى بهن: "فمن سمع النداء فلم يأته لم تقبل له صلاة إلا من عذر".
"وما من ثلاثة لا تقام فيهم الصلاة جماعة إلا قد استحوذ عليهم الشيطان".
و"صلاة مع الإمام أفضل من خمس وعشرين صلاة يصليها وحده".
فيا من أنعم الله عليكم بالصحة والعافية يا معشر الشباب يا من أكرمكم الله بمجاورة بيوته: اغتنموا الصحة قبل المرض، والشباب قبل الهرم، والحياة قبل الموت، فكم من مريض يحن لبيوت الله، وكم من شيخ أقعده الكبر عن صلاة الجماعة؟ وكم من ميت يتمنى العودة إلى الدنيا ليصلي ركعتين خالصةً لله، فيا من جعل الله له سمعًا وبصرًا وفؤادًا وأعضاءً، وأنت تسمع المنادي كل يوم "حي على الصلاة حي على الفلاح" ما عذرك بين يدي الله إذا أوقفك وسألك؟!
فاجعل -يا أخي- هذا الشهر شهر صلاة كما هو شهر صيام، غيرّ فيه من حالك، وعدّل فيه من وضعك، وتب فيه إلى ربك، فربك تواب رحيم، وأنت في شهر التوبة والمغفرة.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ * إِلَّا أَصْحَابَ الْيَمِينِ * فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءلُونَ * مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ * قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ * وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ * وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ * وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ * حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ * فَمَا تَنفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ)[المدثر: 38- 48].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم..
الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه…
وبعد:
أيها الإخوة الفضلاء: من الأمور التي نود التنبيه عليها وملاحظتها في هذا الشهر الكريم: التقليل قدر الاستطاعة من الأكل والشرب بعد الإفطار.
فكم يجد الإنسان من المعاناة والتعب في صلاة التراويح، ويشعر بالحرّ والضيق في العبادة، وما ذاك إلا من كثرة الطعام.
ولو اقتصر الواحد منا على لقيمات يقمن صُلبه حتى ينتهي من صلاة التراويح، ثم يأكل بعدها ما تيسر لكان خيرًا له، وأعون له على الطاعة والخشوع.
وقد رسم لنا نبي الهدى -صلوات الله وسلامه عليه- هديًا في ذلك، فعن المقدام بن معد يكرب قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "ما ملأ آدمي وعاءً شر من بطنه، بحسب ابن آدم أكلات يقمن صلبه، فإن كان لا محالة فثلث لطعامه وثلث لشرابه وثلث لنفسه" [رواه الإمام أحمد والترمذي والنسائي وابن ماجه، وهو حديث حسن].
يقول ابن رجب -رحمه الله-: وهذا الحديث أصلٌ جامع لأصول الطب كلَّها، وقد رُوي أن ابن ماسويه الطبيب لما قرأ هذا الحديث في كتاب أبي خيثمة، قال: لو استعمل الناس هذه الكلمات، سلموا من الأمراض والأسقام، ولتعطلت المارستانات ودكاكين الصيادلية، وصدق.
ثم ذكر -رحمه الله- منافع قلة الطعام، ومنها: أن قلة الغذاء توجب رقة القلب، وقوة الفهم، وانكسار النفس، وضعف الهوى والغضب، وكثرة الغذاء توجب ضد ذلك.
ولما سئل الإمام أحمد: "يا أبا عبد الله يجد الرجل من قلبه رقة وهو يشبع؟ قال: ما أرى ذلك".
عن نافع عن ابن عمر قال: "ما شبعت منذ أسلمت".
وعن محمد بن واسع قال: "من قلّ طعامه فهم وأفهم وصفا ورّق، وإنّ كثرة الطعام ليُثقل صاحبه عن كثير مملكة يريد".
وعن أبي عبيدة الخوّاص قال: "حتفك في شبعك، وحظك في جوعك، إذا أنت شبعت ثقلت، فنمت واستمكن منك العدو، فجثم عليك وإذا أنت تجوّعت كنت للعدو بمرصد".
وعن عمرو بن قيس قال: "إياكم والبطنة فإنها تقسي القلب".
وعن سلمة بن سعيد قال: "إن كان الرجل ليُعير بالبطنة كما يعير بالذنب يعمله".
وعن مالك بن دينار قال: "ما ينبغي للمؤمن أن يكون بطنه أكبر همّه وأن تكون شهوته هي الغالبة عليه".
قال: وحدثني الحسن بن عبد الرحمن قال: "قال الحسن أو غيره: كانت بليّة أبيكم آدم -عليه السلام- أكلةً، وهي بليتكم إلى يوم القيامة".
قال: وكان يقال: "من ملك بطنه ملك الأعمال الصالحة".
وعن قثم العابد قال: "كان يقال: ما قلّ طعم امرئٍ قط إلا رق قلبه ونديت عيناه".
وقال بشر بن الحارث: "ما شبعت منذ خمسين سنة، وقال: ما ينبغي للرجل أن يشبع اليوم من الحلال؛ لأنه إذا شبع من الحلال دعته نفسه إلى الحرام فكيف من هذه الأقذار؟!"
وعن إبراهيم بن أدهم قال: "من ضبط بطنه، ضبط دينه، ومن ملك جوعه ملك الأخلاق الصالحة، وإن معصية الله بعيدةٌ من الجائع، قريبةٌ من الشبعان، والشبع بميت القلب، ومنه يكون الفرح والمرح والضحك".
وقال الحسن بن يحيى الخشني: "من أراد أن تغزُر دموعه، ويرق قلبه فليأكل وليشرب في نصف بطنه".
وعن الشافعي قال: "الشبع يثقل البدن، ويزيل الفطنة، ويجلب النوم، ويضعف صاحبه عن العبادة".
وقد ندب النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى التقليل من الأكل في الحديث المتقدم: "بحسب ان آدم لقيمات يقمن صلبه".
وفي الصحيحين عنه صلى الله عليه وسلم قال: "المؤمن يأكل في معيٍّ واحد، والكافر يأكل في سبعة أمعاء".
والمراد أن المؤمن يأكل بأدب الشرع، والكافر يأكل بمقتضى الشهوة والشره والنهم، فيأكل في سبعة أمعاء.
وقد حدّد النبي -صلى الله عليه وسلم- للعبد ثلثًا للطعام وآخر للشراب والباقي للنفس، مع ما كان يعيشه النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه من قلة الطعام وعدم الشبع.
قال بعض السلف: "كان شباب يتعبدون في بني إسرائيل، فإذا كان عند فطرهم قام عليهم قائم، فقال: لا تأكلوا كثيرًا فتشربوا كثيرًا فتناموا كثيرًا فتخسروا كثيرًا"
وصحّ عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "خير القرون قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ثم يأتي قوم يشهدون ولا يُستشهدون وينذرون ولا يوفون، ويظهر فيهم السٍّمن".
وفي سنن الترمذي وابن ماجه والحديث حسن بشواهده عن ابن عمر قال: تجشأ رجلٌ عند النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: "كفّ عنا جُشاءك فإن أكثرهم شبعًا في الدنيا، أطولهم جوعًا يوم القيامة".
وليس المقصود -أيها الإخوة- تحرم الطيبات مما أنعم الله ورزق وإنما المقصود هو الاقتصاد والتقليل من الطعام والشراب، وخاصة قبل صلاة العشاء والتراويح، حتى يجد العبد الخشوع في الصلاة، ولا تثقل عليه العبادة، وفيه أيضًا الصحة والعافية.
اللهم أعنا على ذكرك وشكرك، وحسن عبادتك، اللهم تقبل صيامنا وقيامنا، وأعنا على صلاح أنفسنا.
الشيخ : فواز بن خلف الثبيتي