الخطبة الأولى:
الحمد لله علام الغيوب، وكاشف الكروب، وساتر العيوب، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له يغفر لمن يشاء ويتوب عن من يتوب، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أفضل عباد الله وأتقاهم، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أهل الصلاح فـي الأبدان والقلوب، وسلّم تسليما كثيراً.
أما بعد: فاتقوا الله عباد الله، وعظموا شعائره؛ فإنه من يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب.
نظرتُ إليها، ودموع الأسى والحزن تنهمر من عينيها، فدنوت بين يديها، وقلت: مالك يا روضة العابدين، ويا أنس الطائعين، ويا حبيبة العباد المخلصين، ويا بغيضة الفساق والمنافقين؟! فنظَرتْ إليّ بنظرات الأسى والاكتئاب، وكلمتني بنبرات اللوم والعتاب، وقالت: ألم أبلغك رسالتي، وأحملك شكايتي؟ فلِمَ لم توصلها للمقصرين؟.
لقد أودعتك يوماً ما رسالتي والتي تحمل آمالي وآلامي، وتنبض بشعوري وأحلامي، فلِمَ لم توصل هذه المشاعر، إلى كل مقصر وهاجر؟.
فقلت: قد والله فعلت، فبلغت الرسالة، وأسمعتها للهاجرين، وخاطبت بها المعرضين، ولكن؛ ما حيلتي إذا كانت الرسالة لامست الأسماع ولم تخترق الفؤاد؟ وما ذنبي إذا كان جيل اليوم جيل استماع لا انتفاع؟ لقد أديت الرسالة إلى المعرضين.
لقد أسمعتُ لو ناديت حياً *** ولكن لا حياة لمن أنادي
لقد أوصلت الرسالة إلى الهاجرين، فمنهم من هدى الله، ومنهم من حقت عليه الضلالة وآثر الهوى على الهدى.
قالت: ولكني لا أزال أشكو من كثرة المعرضين، وقلة الراغبين. فقلت: أيتها الشعيرة المظلومة، لكِ عليّ أن أعيد رسالتك، وأبثها من جديد، وأرسلها لكل من كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد، ولكن؛ لا تيأسي ولا تحزني، فلست أنتِ المظلومة الوحيدة، فما أكثر شعائر الإسلام المظلومة فـي هذا الزمن حينما أصبح سلطان الهوى حاكماً، واتخذ الهوى إلهاً من دون الله، ورفع بعض الناس شعار: أنت حر ما لم تضر! وتحللوا من المفهوم الحقيقي للإسلام والذي يعني الاستسلام لله والانقياد والخضوع له، والبراءة مما يعبد من دونه، ذلك المفهوم المستمد من مثل قوله تعالى: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ) [الأحزاب:36]، (فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيماً) [النساء:65].
ما أكثر الشعائر المظلومة يوم أن تخلف هذا المفهوم عن واقع الناس، وأصبح بعضهم يأخذ من أحكام الإسلام ما يوافق هواه، وما ترتاح له نفسه الأمارة بالسوء!.
إن رسالتكِ تفـيض حسرة وألماً، وتذرف أسى وندماً على واقع الناس معك، وها أنا ذا أبلغها على لسانك قائلاً: أنا شعيرة من شعائر الإسلام، شرعني العليم الخبير لأكون كأخواتي قرة عين، وانشراح صدر، وسبيل فوز للصالحين، عايشت أجيالاً عرفوا لي قدري فلم يتخلفوا عن الحضور إليّ، حتى فـي أصعب الأحوال، وأحلك الظروف، كانوا يبحثون عن فضائلي، ويسعون للحصول على رضا الرب الذي شرعني، حينما شرعني الله خصني بمزيد من الفضائل والمزايا، والخصائص والعطايا.
أنا شعيرة من شعائر الإسلام ضحية للسهر المحرم عند قوم، وأسيرة الالتزام الأجوف عند آخرين، بليت بقوم لا يعرفون قدري، ولا يدركون أثري، آثروا راحة النفس على فضائلي.
أتدرون من أنا؟ أنا القرآن المشهود، الثقيلة على أهل الهوى والجحود، وأرباب الكسل والخمود، أنا صلاة الفجر، جئت أحمل معي شهادات الضمان، وصكوك البراءة من النفاق، أنا وأخواتي ثمن لأغلى سلعة، وسلعة الله غالية، وسلعة الله الجنة.
أنا صلاة الفجر المظلومة، بليت بضرة مشؤومة، هي النفس الأمارة بالسوء، بليت بجيل غايتهم راحة الجسد، ولو غضب الواحد الأحد، أعمتهم الدنيا عن رؤية الآخرة، والعمل لها، فقست قلوبهم، فأصبحت كالحجارة أو أشد قسوة، وساعد فـي ذلك زحف التصحر المادي الذي أخذ يغزو كل خضرة مغروسة، وأخذ يعلو ويغطي كل بيت مشيد، حتى غدت بيوتاً خاوية على عروشها، والزروع قد أحرقتها نار تلك المادية المحرقة، فأحالتها صفراء ذابلة باهتة، وأصبح الجفاف يدق ناقوس الخطر، خطر موت الأرواح بعد جفافها.
أنا الفجر رمز ولادة كل خير، ورمز النصر وعنوان الشباب، وعلامة الحركة، ودليل الحق والعدالة، وقتي من أهدأ الأوقات، ففـيه لحظات الصفاء، وفـيه توزيع الأرزاق.
وأنا صلاة الفجر دليل على قوة الإيمان والبراءة من النفاق؛ لمشقة هذا الوقت على النفس، ألم تسمعوا قول حبيبكم -صلى الله عليه وسلم-: "إن أثقل الصلاة على المنافقين صلاة العشاء وصلاة الفجر، ولو يعلمون ما فـيهما لأتوهما ولو حبوا".
أنا صلاة الفجر، قد كنت أشكو من هجر العصاة والمنحرفـين، واليوم أصبحت أشكو حتى من أهل الخير والصلاح، وأرباب الدعوة والفلاح، فإلى الله أشكو جفوة الملتزمين، وهجر المذنبين، أنا صلاة الفجر اليوم أشكو، ومن يا ترى أشكو؟ أشكو عباداً لله ينعمون بأمن فـي الوطن، وصحة فـي البدن، ورغد فـي العيش، بيوتهم ملاصقة للمساجد يسمعون حتى همس المصلين، ومع هذا إذا دعا داعي الله لا يجيبونه!.
أنا صلاة الفجر، أبث من خلال هذه الكلمات، وعلى لسان كل خطيب وداعية، وعبر كل إمام وواعظ، أناشد المتخلفـين عني، علّ أن تجد كلماتي آذاناً صاغية، وقلوباً واعية، تخشى الله وتتقيه، (وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ) [النور:52].
يا أمة الإسلام: أنا صلاة الفجر، مع شقيقتي صلاة العصر سبب لدخول الجنة، فقد قال رسول الهدى -صلى الله عليه وسلم-: "من صلى البردين دخل الجنة"، وقال -صلى الله عليه وسلم-: "لن يلج النار أحد صلى قبل طلوع الشمس وقبل غروبها"، ويعني بذلك الفجر والعصر.
وأنا -أيها المتخلفون عني- ضمان من كل سوء ومكروه، فمن تردد علي فهو فـي ذمة الله وأمانه، فقد قال حبيبكم محمد -صلى الله عليه وسلم-: "من صلى الصبح فهو فـي ذمة الله حتى يمسي، فلا يطلبنكم الله من ذمته بشيء، فإن من يطلبه الله من ذمته بشيء يدركه ثم يكبه على وجهه فـي نار جهنم" رواه مسلم. فهل تهنأ نفسك ويطيب عيشك ويرتاح بالك أيها المتخلف عني وأنت بلا أمان، قد برئت منك ذمة الرحمن؟.
وأنا، أيها المتخلف عني، رغم قصر الوقت المخصص لأدائي، فأدائي يعدل قيام ليلة كاملة، كما أخبر بذلك المصطفى -صلى الله عليه وسلم-، فهل تريد بعد ذلك من مزيد؟.
بل أنا من تشهدها الملائكة لتصعد إلى ربها شاهدة لقوم وعلى قوم، قال -صلى الله عليه وسلم-: "يتعاقبون فـيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار، ويجتمعون فـي صلاة الفجر وصلاة العصر، ثم يعرج الذين باتوا فـيكم فـيسألهم وهو أعلم بهم: كيف تركتم عبادي؟ فـيقولون: تركناهم وهم يصلون، وأتيناهم وهم يصلون".
فما أسعد أولئك الرجال الذين جاهدوا أنفسهم وزهدوا في دفء الفراش ولذته وقاوموا كل دوافع الجذب التي تجذبهم إلى الفراش ليحصلوا مني على صك البراءة من النفاق، وليكونوا أهلاً لبشارة النبي -صلى الله عليه وسلم- بدخول الجنة، ولينالوا شرف شهود الملائكة، وسؤال الرب عنهم!.
أنا -يا عباد الله- عند سلفكم كنت الميزان الذي يوزن به الرجال، فمن حضرني وثّقوه، ومن غاب عني أساءوا به الظن، فهذا ابن عمر يقول: "كنا إذا فقدنا الرجل فـي الفجر والعشاء أسأنا به الظن".
فهل تهز هذه الكلمات مشاعركم أيها المتخلفون، وتجعلكم تنافسون الآخرين باستنشاق ريح الصبا، وتكونون أنتم الأوائل الذين سيذكرون فـي قوائم المتعاقبين من الملائكة أمام الرب، وتكونون من رجال الفجر؟.
يا أيها الغائبون عني: أنا صلاة الفجر، مع صلاة العصر، ثمن لأغلى مطلوب وأسمى غاية، إنها رؤية وجه الجبار -جل جلاله- كما قال قدوتكم -صلى الله عليه وسلم-: "إنكم سترون ربكم كما ترون القمر لا تضامون فـي رؤيته، فإن استطعتم ألا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها فافعلوا".
أنا صلاة الفجر، تكتب صلاتي فـي صلاة الأبرار، واسمعوا إلى حيث المصطفى المختار -صلى الله عليه وسلم- حيث قال: "من توضأ، ثم أتى المسجد فصلى ركعتين قبل الفجر، ثم جلس حتى يصلي الفجر، كتبت صلاته يومئذ فـي صلاة الأبرار، وكتب فـي وفد الرحمن" رواه الطبراني وحسنه الألباني رحمه الله.
الله أكبر! كم من جهود تبذل! وكم من شفعاء يتوسط بهم للمشاركة فـي وفود رسمية تافهة! فما بال من كتب اسمه فـي وفد الرحمن؟!.
يا عباد الله: من مشى إليّ فـي ظلمة الليل جازاه ربي بأعظم الجزاء، قال -صلى الله عليه وسلم-: "بشر المشائين فـي الظُلَمِ إلى المساجد بالنور التام يوم القيامة"، فما أعظم سرور عبد صبر لله فـي ظلمات الليالي يوم يسعى نوره بين يديه وبيمينه!.
يا أيها المتخلف عني: ما أوردته لك من فضائلي هو غيض من فـيض، وقطر من بحر، فانظر -أيها المفرط- كم من الخير تحرم منه نفسك، وتبخل به على ميزانك يوم تلقى الله -سبحانه-! تذكر هذا، وأكثِر ذكره؛ عسى أن تعينك الذكرى، فإن الذكرى تنفع المؤمنين.
يا عباد الله: (الصلاة خير من النوم)، كلمة صادقة تصحح للمؤمن، وتنصح له، فكل ما تحدثه به نفسه ويزينه له الشيطان لا يساوي خير هذه الصلاة.
قد يستيقظ المرء فتأتيه هذه الوساوس فكأنه يريد أن يرجحها على خير هذه الصلاة، فتأتي التذكرة تذكره بما سيفوت على نفسه من خير، وليصحح الميزان الذي يزن به الخير، فهذه اللحظات من النوم طالت أو قصرت مهما كان فـيها من حلاوة أو لذة، ما عاقبتها؟ إنها ككل لذة من الدنيا ترحل فـي وقتها، ثم يعقبها حسرات وأسف.
يا أيها المتخلف عني: ألا يكفـي من شؤم التخلف أنه سبب لخبث النفس والكسل؟ وهل ترضى بتخلفك أن تكون أُذناك مكاناً لبول الشيطان؟ فقد ذُكر لرسول -صلى الله عليه وسلم- رجل نام حتى أصبح، قال: "ذاك رجل بال الشيطان فـي أذنه". قال ابن مسعود: "حسب الرجل من الخيبة والشر أن ينام حتى يصبح وقد بال الشيطان فـي أذنه".
هذا فضلاً عن ضياع خير عظيم، ما أحوجه إلى الذرة منه يوم لا نوم فـيه ولا غطاء وثير! بالله كيف حالكم أيها المتخلفون عني وقد نمتم ملء الجفون، وأغمضتم الطرف عن القيام للحي القيوم؟! كيف تقابلون الله؟! وبم تردون على حساب أليم؟!.
انتبه أيها المتخلف عني، فالصلاة هي الخير فـي الحال والمآل، فـي الصحة والمال، فـي الدنيا والآخرة، كم من نائم يرتب أمره على موعد عمله لا موعد صلاته، وبالله؛ هل سيبارك له فـي عمله وفـي ماله وفـي صحته؟ إن الله -جل وعلا- هو العالم بمن خلق، بيّن ذلك بقوله: (وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقاً نَّحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى) [طه:123]. قال ابن كثير: "يعني إذا أقمت الصلاة أتاك الرزق من حيث لا تحتسب".
أيها المتخلف عني: أوما سمعت عن الصحابي الجليل الحارث بن حسان -رضي الله عنه- أنه تزوج فـي ليلة من الليالي، فحضر صلاة الفجر فـي جماعة، فقيل له: أتخرج وإنما بنيت بأهلك هذه الليلة؟! فقال: والله إن امرأة تمنعني من صلاة الغداة فـي جماعة لامرأة سوء!.
هذه رسالتي تحمل شعوري وتفـيض بآلامي وآمالي، أبثها لكل من له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد، أبثها إلى أصحاب القلوب الحية التي تخفق بحب الله وخوفه ورجائه، أرسلها إلى كل من يرجو الله واليوم الآخر، أبلغها إلى كل من فـي قلبه مثقال ذرة من إيمان، إلى كل من رضي بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد -صلى الله عليه وسلم- رسولاً، أرسلها إلى كل من يطمع فـي جنة عرضها السماوات والأرض، ويخشى ناراً تلظى، لا يصلاها إلا الأشقى، الذي كذب وتولى.
فإلى كل من تخلف عني مؤثراً راحة الجسد ولذة الفراش، أخاطبك أخيراً قائلاً: قم عن فراشك، وانهض من نومك، واستعن بالله رب العالمين، وإذا سمعت أذان الفجر يدوي فـي أفواه الموحدين فانهض بنفس شجاعة إلى المسجد، وكن من الذين يخافون يوماً تتقلب فـيه القلوب والأبصار.
لقد جاءك النذير، وتبين لك القول، فانفذ بنفسك من حُجب الهوى إلى سبيل الهدى، ومن يتوكل على الله فهو حسبه، وتقبل تحيات المشتاقة إلى لقائك: صلاة الفجر المظلومة.
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين، ونصلي ونسلم على المبعوث رحمة للعالمين.
أما بعد: فها أنا ذا، أيها المسلمون، قد بلغت رسالة الفجر إلى هاجريها، فاشهدوا، والله من فوقنا مطّلع وشاهد، واسمعوا أيها المتخلفون، أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين.
وبعد هذا لعل سائلاً تتحرك عنده مكامن الشوق إلى لقاء الله فـي بيت الله، ويريد أن يتحرر من قيد الشهوات، ويسعى إلى إقامة الصلاة، لعل ذلك السائل يبحث عن وسائل تعينه على إجابة نداء الله والنهوض إلى بيت الله. فأجيب ذلك السائل بأن وسائل الإعانة على صلاة الفجر لها جانبان: علمي وعملي.
فالعلمي أن تغرس فـي قلبك حب الله، فمن أحب الله أحب لقاءه، وأن تستشعر عظمة الله، وتعظم شعائره: (ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ) [الحج:32]. وأن تدرك عظم مكانة صلاة الفجر وقدرها عند الله، وأن تتصور ثمراتها وآثارها وعواقبها الحميدة دنيا وأخرى، وأن تدرك ما فـي التخلف عنها من نتائج مرة، فالتخلف عنها يعني التشبه بأحقر فئة وأذلها وهم المنافقون، الذين هم فـي الدرك الأسفل من النار، ويعني أن الشيطان قد تمكن من العبد حتى تجرأ على البول فـي أذنيه فقام خبيث النفس كسلان، ويدرك أيضاً ما رتّب الله على النائمين بغير عذر عن صلاة الفجر من عقاب شديد وعذاب أليم.
أما الخطوات العملية فتجلى فـي أمور، منها التبكير فـي النوم، فقد كان -صلى الله عليه وسلم- يكره النوم قبل العشاء والأحاديث بعدها، فكيف يكون الحال حينما يكون السهر من أجل أفلام هابطة، وبرامج ساقطة، وأحاديث كاذبة؟ ومنها الحرص على الطهارة، وقراءة الأذكار قبل النوم.
ومنها صدق النية، والعزيمة عند النوم على القيام لصلاة الفجر، أما الذي ينام وهو يتمنى ألا تدق الساعة المنبهة ويرجو ألا يأتي أحد لإيقاظه فإنه لن يستطيع بهذه النية الفاسدة أن يصلي الفجر.
ومنها الاستعانة على القيام بالأهل والصالحين، والتواصي فـي ذلك، وذكر الله تعالى عند الاستيقاظ مباشرة، فإن العبد إذا بادر إلى ذكر الله أول استيقاظه انحلت عقدة من عقد الشيطان الثلاث. ومنها استخدام وسائل التنبيه المعاصرة، من ساعات وهاتف ونحوها.
ومنها البعد عن المعاصي صغيرها وكبيرها كما قال أحد السلف: "لا نعلم أحداً فاتته صلاة الجماعة إلا بذنب"، والله -عز وجل- يقول، وهو أصدق القائلين: (وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ) [الشورى:3]، وأي مصيبة أعظم من أن يحرم العبد طاعة من الطاعات؟! فالذنوب سبب فـي حرمان العبد الطاعة والتلذذ بها، والذنوب جراحات، ورب جرح وقع فـي مقتل!.
وأخيراً: الإخلاص لله -تعالى-، فهو خير دافع للإنسان للاستيقاظ للصلاة، وهو أمير الأسباب والوسائل المعينة كلها، فإذا وجد الإخلاص الذي يلهب القلب، ويوقظ الوجدان، فهو كفـيل -بإذن الله- بإيقاظ صاحبه لصلاة الصبح مع الجماعة ولو نام قبل الفجر بدقائق معدودات.
يا عبد الله: إن أردت أن تزن إيمان الرجل ومدى صدقه وإيمانه فانظر إلى حاله مع صلاة الفجر، فإن كان ممن يشهدها مع الجماعة فذاك مؤشر على قوة الإيمان، وإذا كان لا يشهدها مع الجماعة فهذا برهان على خلل فـي إيمانه، وقسوة فـي قلبه، واستسلام لنفسه وهواه، وانهزامه أمام نفسه؛ وإذا كان الرجل يشهد صلاة الفجر فلنشهد له بالإيمان، فهي المحك على صدق إيمان العبد؛ لأنه حقق أكبر انتصار وهو انتصاره على نفسه، وتغلبه على لذة النوم والفراش.
فتحية إعجاب وتقدير لأولئك المؤمنين شيباً وشباباً ممن آثروا رضا الله، وحققوا العبودية الصادقة، فهم فـي المسجد مع قرآن الفجر يعيشون، وإلى لذيذ خطاب الله يستمعون، وفـي ربيع جناته ينقلبون.
والعتب لمن آثروا الشهوات، وأضاعوا الصلوات. وإن مَن آثر لذة الفراش على لذة المناجاة لهو فـي الحقيقة هو الخاسر المحروم.
أيها المسلمون: أي دين لهؤلاء الذين لا يعمرون مساجد الله؟ وأي إسلام لمن يسمعون النداء ثم لا يجيبون؟ (إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ) [الصافات:35]. قال بعض العلماء: هم الذين لا يحضرون الصلاة فـي الجماعة.
أين الأجيال؟ أين شباب الأمة؟ أين الرجال والمساجد فـي الفجر خاوية تشكو إلى الله -تعالى-؟ إذا كان هذا حالنا مع فريضة من فرائض الله، فكيف بباقي شرائع الدين؟ كيف ترتقي أمة لا تحسن المعاملة مع الله؟ كيف تفلح أمة لا تقدس شعائر الله؟ كيف تكون صادقة فـي الحرب أو فـي التعليم أو فـي التصنيع أو فـي الحضارة والإدارة وهي لا تحسن الاتصال بربها فـي صلاة فرضها الله عليها؟.
أيها المسلمون: إن من أسباب السعادة وحفظ الله لنا ودوام رغد العيش الذي نعيشه أن نحافظ على عهد الله فـي الصلاة، وأن نتواصى بها، وأن نأمر أبناءنا، وأن نعمر مساجدنا بحضورها، فهل من مجيب؟ وهل من مسارع إلى الصلاة؟ وهل من حريص على تلكم الشعيرة العظيمة؟ إنها رغد العيش، ولا رغد فـي العيش بغير صلاة، إنها دوام الأمن والاستقرار، ولا أمن ولا استقرار بغير صلاة، إنها التوفـيق من رب العالمين فـي كل شيء، ولا توفـيق ولا تسديد بغير صلاة، فالصلاةَ الصلاةَ أيها المسلمون!.
عباد الله: ولعل قائلا يقول: الناس فـي وادٍ وأنت فـي واد، وهم مشغولون بالانتفاضة والجهاد، وأنت تتحدث عن مثل هذا؟! فأقول:
لا يصنع الأبطال إلا *** فـي مساجدنا الفساح
من خان حي على الصلاة *** يخون حي على الكفاح
ربنا اجعلنا مقيمين الصلاة ومن ذريتنا، ربنا وتقبل دعاءنا، يا سميع الدعاء.
الشيخ : أحمد بن عبد العزيز الشاوي