الحمد لله الذي حبب إلى نفوس أوليائه المتقين الصلاة والإيمان، وزينه في قلوبهم، وكره إليهم الكفر والفسوق والعصيان، أحمده سبحانه على نعمه التي تفوق العد و الحسبان، وأشكره على ما منّ به علينا من الفضل والإحسان، وأشهد أن لا إله إلا الله, وحده لا شريك له الكريم المنان وأشهد أنّ نبينا محمداً عبده ورسوله, وخليله المصطفى من ولد عدنان, الذي يقول: " إذا رأيتم الرجل يعتاد المسجد؛ فاشهدوا له بالإيمان". صلى الله عليه, وعلى آله, وأصحابه أهل الصدق, والإيمان, وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم حشر الأبدان.
أما بعد:
فيا أيها الناس، اتقوا الله حقّ تقاته، واستمسكوا بطاعته؛ فإنّ طاعته أعظم مُنجٍ من عذابه ونقماته، وأكبر نافع, وموصل إلى نعيمه، وجناته.
وإنّ المحافظة على الصلاة, لمن أكبر وأعظم دليل على الإحسان، والإيمان. وإنّها لمن العلامات الظاهرة, على صلاح الإنسان. وإنّ التساهل بها, من أكبر الفسوق والعصيان، والتخلف عنها- مع الجماعة في المسجد- من علامات النفاق والحرمان، ومكانتها من الإسلام معروفة عند أهل الدين والإيمان، وهي أعظم من الزكاة, والصوم, وحج بيت الله الحرام.
والكلام الآن, حول التكاسل عنها, والتهاون بها، ولو صلاها الإنسان، فقد قال الله تعالى: (فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً)[مريم:59].
قال ابن عباس رضي الله عنهما: " ليس معنى أضاعوها: تركوها بالكلية، ولكن أخروها عن وقتها".
وقال سعيد بن المسيب: هو أن لا يصلي الظهر إلى العصر، ولا يصلي العصر إلى المغرب، ولا يصلي المغرب إلى العشاء، ولا يصلي العشاء إلى الفجر, ولا يصلي الفجر حتى تطلع الشمس.
فالله سبحانه ذّم هذا القسم من الناس, بصفتين ذميمتين, الأولى: كونهم أضاعوا الصلاة، فهذا أعظم قادح في عدالتهم، وأكبر سبب في عقوبتهم، وأسوأ وصف في طريقتهم ومعاملتهم.
الصفة الثانية: كونهم اتبعوا الشهوات –أي: المحرمات- فصار همهم بطونهم, وفروجهم، ولو كانت بطريق حرام, ومن أشياء مشتبهة. وهذا من آثار المعاصي التي تغشى الأبصار, وتكدر الأفهام, وتزل الأقدام، ولا حول ولا قوة, إلا بالله العلي العظيم.
وبعد ذلك توعدهم الله بهذا الوعيد الشديد, وهذا التغليظ الأكيد, بقوله: (فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً).
قال ابن مسعود رضي الله عنه: " غي: وادٍ في جهنم, بعيد القعر, خبيث الطعم".
وقيل: وادٍ في جهنم, من قيح ودم، نعوذ بالله منه.
وقيل: إنّ غيّاً وأثاماً, بئران في أسفل جهنم, يسيل فيهما صديد أهل النار، والعياذ بالله من النار.
وقال تعالى: (فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ) [الماعون:5].
توعد الله سبحانه الساهين عن الصلاة بويل, قيل: إنّه شدة العذاب، وقيل: إنّه واد في جهنم, تستعيذ النار من شدة حره.
قال بعض السلف: الحمد لله الذي لم يقل: الذين هم في صلاتهم ساهون؛ لأنّ السهو فيها, لا يسلم منه أحد؛ بل قال: (الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ) وذاك من استخف بالصلاة، ولم يتم الركوع, ولا السجود, ولا الطمأنينة، فهو إن كان وحده لم يطمئن فيها, ولم يخشع لله فيها، فهو متعرض للوعيد، مخال للصلاة الشرعية.
وقال ابن عباس رضي الله عنهما: " يعني المنافقين الذين يصلون في العلانية, ولا يصلون في السر". فهم التزموا بالصلاة, ولكنهم عنها ساهون؛ إمّا عن فعلها بالكلية, أو عن أوقاتها, كما تقدم، حتى يخرج وقتها ولم يلتفتوا إليها، فلما سهوا عنها, أضاعوها؛ ولهذا ذكر صفاتهم الذميمة, بقوله: (الَّذِينَ هُمْ يُرَاؤُونَ وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ)[الماعون:6-7]، فالمنافقون، جمعوا هذه الصفات الثلاث.
الأولى: كونهم عن صلاتهم ساهون.
والثانية: كونهم يراءون الناس, ليس عملهم خالصاً لوجه الله؛ بل ما حملهم على جُلّ عملهم, إلا مراءاة الناس, وعملهم لأجلهم, يريدون المدح والثناء، ما أرادوا الله, والدار الآخرة, عياذاً بالله من ذلك.
والصفة الثالثة: كونهم يمنعون الماعون, وهذا كناية عن منعهم النفقة اللازمة, والزكاة الواجبة، والتعاون بينهم, وبين المسلمين.
فهذا القسم من الناس ضيعوا الصلاة, وبخلوا بالزكاة, والنفقات، والمعنى: أنها ثقلت عليهم طاعة الله, وهانت عليهم معصية الله.
وهذه حالة أهل الشكوك, والنفاق والتأخير عن طاعة الخلاٌّق، أعاذنا الله, وإياكم من سبيلهم, كما قال تعالى: (وَلا يَأْتُونَ الصَّلاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسَالَى وَلا يُنْفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كَارِهُونَ) [التوبة: 54].
فنسأل الله سبحانه أن يطهر قلوبنا بطاعته، ويصلح أعمالنا بإعانته, إنّه على كل شيء قدير.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم: (الم * ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ * وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ * أُولَئِكَ عَلَى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) [البقرة:5].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم، ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه؛ إنّه هو الغفور الرحيم.
الشيخ : عبدالرحمن بن عبدالله آل فريان